الأحد، 28 أغسطس 2016

القضاء العرفي.. ‘‘حلّال المشاكل’’ المُفترى عليه


**التشميس والتغريب والكفل أبرز أحكامه.. وديّة المرأة فيه 4 رجال
**الشيخ سيد: القضاء العرفي ‘‘شايل هموم’’ عن البلد

الجيزة: هدير حسن
نشر بتاريخ 16 نوفمبر 2013

‘‘القضاء العرفي أسرع من القضاء المدني، وبيقدر يوصل للحقيقة، غير أن المشكلة بتنتهي للأبد، لأن أي جلسة صلح بيكون فيها شرط جزائي كبير يمنع الطرفين أنهم يعتدوا على بعض مرة تانية’’.. ذلك هو مفهوم القضاء العرفي، لدى الشيخ سيد أبو غنيم، 66 سنة، أحد أهالي قرية عرب الحصار بمدينة الصف، جنوب الجيزة، الذي حضر، ولا يزال يحضر، الكثير من جلسات الصلح العرفية، مما جعله يفقه في مبادئها وأساسياتها، التي ينشأ عليها جميع العرب، والتي لا تختلف عن جلسات الصلح بصعيد مصر، وهو ملف فتحته ‘‘المندرة’’ تزامنًا مع اليوم العالمي للتسامح.

وفي جلسة مطولة، شرح ‘‘الشيخ سيد’’ لـ‘‘المندرة’’، أساسيات القضاء العرفي وجلسات الصلح، التي تبدأ عندما تحدث أي مشكلة كبيرة، فالمشكلات والخلافات البسيطة يتم حلها بشكل ودّي، ويتم عمل ‘‘مشارطة تحكيم’’، وهي ورقة يكتب فيها (أنه في يوم … بمنزل … تم الاتفاق بين الطرفين المتنازعين على تحديد يوم .. لجلسة صلح) ويتم تحديد مبلغ كشرط جزائي، يمنع أي طرف من الاعتداء على الطرف الثاني حتى يوم جلسة الصلح، وإذا فعل فإن هذا الطرف يلتزم بدفع المبلغ، الذي يتم تحديده حسب حجم المشكلة، كما أن مشارطة التحكيم يذكر فيها إما مشكلة بعينها بين الطرفين، أو أن تكون قائمة على جميع المشكلات، التي يتذكرها الطرفان لبعضهم البعض.

وفي اليوم الذي حددته مشارطة التحكيم يجتمع الطرفان المتنازعان، ويتم عمل ‘‘محضر تحكيم’’ يكتب فيه ( أنه في يوم … بمنزل … حضر الطرفان، وفق مشارطة التحكيم السابقة)، ويكون المنزل الذي تحددت به جلسة الصلح بمثابة أرض محايدة، لا تميل لأي طرف من الأطراف. ويقوم طرفي النزاع بإحضار محكمين يختاروهم وفق ما يريدون، ويكون صاحب المنزل ‘‘مُرجِّح’’، بمعنى أنه إذا أحضر كل طرف ثلاثة محكمين وانقسمت آراءهم بحيث أصبحت متعادلة، يقوم صاحب المنزل بترجيح أي رأي فيهم.

ويقوم المحكمون والمرجح، بالاجتماع بأطراف النزاع ليحكي كل منهم المشكلة كما يراها، وعلى الطرف الآخر أن ينصت له دون أن يقاطعه، حتى وإن كان يكذب، وفور أن ينتهيا من سرد المشكلة وحجم الأضرار، يختلي المحكمين بأنفسهم، ويقومون بحساب الأخطاء، التي قد تكون تدمير منزل، أو قتل ماشية، أو إصابة أحد، وخلافه، وكلها أمور يتم تقديرها من قِبل المحكمين، ويخرجون عليهم ليعلنوا الحكم، وما على كل طرف من أموال، بالإضافة إلى شرط جزائي بمبلغ ضخم، حتى يردع كل منهم عن ارتكاب أي أخطاء بحق بعضهم.

الطرف الذي اقترف الخطأ الأكبر، يدفع أموالا أكثر، وهو من يقوم بدفع ‘‘الرزقة’’، وهي أموال تُدفع لصاحب المنزل لقاء ما تكبده من طعام وشراب وفراشة لتجهيز مكان جلسة الصلح. أما إذا لم يرتض أحد الطرفين بالحكم، يقوم هذا الطرف بدفع رزقة جديدة، لعقد جلسة صلح ثانية بمكان آخر.

أما فيما يخص قضايا القتل والثأر، فيكون بها مُحكِّم واحد، يدعى ‘‘مُنقِّع دم’’، أي أنه متخصص في قضايا الدم، وورثها عن أجداده، وهو أيضًا يسمع من الطرفين، ويخرج كاتبًا الحكم، والذي قد يكون إما الصلح وتقديم الكفن أمام جميع الأهل داخل صوان كبير، وإما الدية، التي يتم تحديدها حسب نوع القتل، فقد يكون القتل خطأ، أو دفاع عن النفس، أو كان المقتول مات أثناء تهجمه على أحد البيوت، أو قُتل أثناء مشاجرة في الشارع، وهكذا. وإذا كان المقتول امرأة، فديّتها توازي دية أربعة رجال، لأنها سيدة لا تقوى على الدفاع عن نفسها، كما أن لها حُرمة خاصة، ولا يجوز إهانتها أو ضربها.

وهناك بعض الأحكام الأخرى، التي يُعاقب بها المخطئون، ومنها ‘‘التشميس’’ و‘‘التغريب’’، أما ‘‘التشميس’’ فهو قرار تتخذه إحدى العائلات ضد فرد من أبنائها، وغالبا ما يقوم به الأب تجاه ابنا فاسدا، بمعنى أنه مثير للمشكلات، وجالب لها، فتقوم العائلة بكتابة ورقة تذكر فيها أنها لا تعتبر هذا الفرد منها، وأنها لا تُسأل عن دمه أو تُعايَر به إذا مات، وأصبح لا يخصها، وتوزع هذه الورقة على كافة البيوت.

وعن ‘‘التغريب’’، فهو عقوبة تبدأ من 5 وتصل إلى 20 سنة، حيث يتم الحكم على أحد الأفراد بان يُغرّب خارج المركز الذي يعيش فيه، ولا يدخله أو يزوره أبدًا طوال مدة التغريب، وقد تصل إلى حد عدم السماح له بدخول المحافظة نفسها، التي شهدت المشكلة، وغالبا ما يُحكم بالتغريب في قضايا الخوض في الأعراض، أو التهجم على البيوت دون داع، أو إصابة أحد الأشخاص إلى حد تعجيزه، وإذا خالف المحكوم عليه التغريب، ونزل إلى المركز قبل إنقضاء مدة العقوبة، يكون دمه حلال.

ومن العقوبات أيضا ‘‘الكفل’’، وهو أن يقوم شخص بكفالة أحد طرفي نزاع ما، ويتعهد بأنه مسئول عن عدم ارتكابه أو افتعاله أي مشكلات ضد الطرف الآخر، خلال فترة معينة، وإذا قام بمخالفة ذلك يكون من كفله هو صاحب الحق، وهو مبلغ محدد سلفا ومعروف في جميع القضايا، يقدر بـ 390 ألف جنيه، غير أنه سيصيب صاحبه بسواد الوجه، ويرفض أحد أن يكفله بعد ذلك.

وإذا كانت الخلافات والمشكلات زوجية، بمعنى أن رجل وامرأة قررا الانفصال، يتم حل المشكلة بجلسة ودية يتحدد فيها ما على كل طرف من واجب، من نفقة وذهب وخلافه، ويكون الأطفال بحوزة والدتهم إلا إذا تزوجت مرة ثانية، فينتقل الأطفال للعيش مع أبيهم، وفي أغلب هذه القضايا يذهب الأطفال لأبيهم، فالعرب لا يقبلون أن يكبر أبنائهم بعيدًا عن البيئة التي نشأ فيها الأب.

وأشار الشيخ سيد إلى أن قضايا الطلاق والنفقة في القضاء المدني ‘‘بتاخد سنين طويلة، وفلوس كتير، لكن إحنا بنحلها في قعدة ودية، وبسرعة، وبيكون الكل راضي، لأن القضاء العرفي مرن، ومش مكتوب، عشان كده مناسب لكل وقت’’، لكن أعرب الشيخ سيد عن استيائه من صورة القضاء العرفي في الإعلام، قائلا ‘‘القضاء العرفي مُفترى عليه إعلاميا، رغم أنه شايل هموم كتير عن البلد، يجي 80% من القضايا والمشاكل، وكمان العقوبات كلها معنوية ومادية، ومفيش عقوبات جسدية’’، وأكد أن الدولة كانت تعترف به، وكان منصوصا عليه بدستور 1923، ولكن الدساتير التالية ألغته.

والقضاء العرفي، معروف بأنه وسيلة للتحكيم بين الخصوم، وأحكامه لها قوة الإلزام الفاعلة بين العائلات الكبيرة بمصر، وأحيانا كثيرة يكون موثقا من الجهات الأمنية والرسمية بالدولة، وتلجأ إليه الدولة أحيانا لفض المنازعات بين العائلات الكبيرة، للقضاء على الثأر، فمنظومة القضاء العرفي فعالة جدا إذا كان المعتدى عليه يرضى التعويض المالي والاعتذار، ولا يتضمن القضاء العرفي عقوبات الموت أو الإيذاء الجسدي أو عقوبات سالبة للحرية كالسجن.

الموضوع الأصلي من هنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق