الأحد، 28 أغسطس 2016

“غلابة الثورة” يحلمون بالكرامة والآدمية في البدرشين



البدرشين: هدير حسن
نشر بتاريخ 5 فبراير 2013

يلفتون الانتباه بجلستهم وصبرهم على المكوث في نفس المكان، انتظاراً لـ”لقمة العيش”، مُضطرون أن يصمدوا في أماكنهم مهما حدث، فمن برد الشتاء، الذي لم يعد يحتمله أحد، إلى شمس الصيف الحارقة، تجدهم دوماً لا يبرحون مكانهم على الكوبري الأول بمدينة البدرشين، منتظرين أمل جديد للحياة، هم “عمال التراحيل” أو “عمال اليومية” أو قل عنهم ما تراه، ولكنهم يستحقون عن جدارة اللقب الذي أطلقوه على أنفسهم “غلابة الثورة”، فالثورة التي أتت كي يعيش الفقراء حياة أفضل، للأسف لم يتضرر منها سواهم، فهم الأكثر صبراً ورضاءً وتعاسة، يحكي كل منهم ما تفعله به الأيام، متأملاً أحواله الاقتصادية المتردية، يتمنوا أن تزول ويأتي الأفضل منها.

يقول عبد العال محمود، أحد العمال، 35 سنة، “إحنا تقريباً 200 واحد، بنيجي كل يوم من سبعة الصبح ونستنى الرزق، ممكن نشتغل يوم وعشرة لا، وأنا هشتغل حتى لو هاموت، لكن ما أمدش إيدي وأطلب من حد حاجة”.

أما فتحي على إبراهيم، أحد العمال، 67 سنة والعائل الوحيد لزوجته وأولاده الأربعة، فيقول “أقل واحد فينا متجوز ومعاه عيلين وتلاتة، ومحدش مسئول عننا ولا بيشغلنا فنزلنا نشوف رزقنا، وأنا نفسي في معاش يريحني، وزارة الشئون الاجتماعية بتدي معاشات 200 جنيه للي فوق الـ 65 سنة، يعملوا إيه دول؟ ولا يكفوا إيه؟”.

وما بين فارق السن بين عبد العال وفتحي، يظل الإصرار وحب العمل والاعتماد على الذات سمة مميزة داخل فتحي، الذي لم يمنعه كبر عمره أو جسده النحيل يوماً، من أن ينزل من بيته ليبحث عن قوت يومه، فعمله الذي يعتمد على القوة الجسمانية، والذي لم يعد قادراً أن يمارسه، ولكنه يتحامل على نفسه ويقوم بإزالة الطوب ومخلفات الأبنية وعلى استعداد أن يقوم بحمل أي شيء في سبيل الرزق.

وعن مخاطر العمل اليومي، الذي يستوجب صعود العمال على “سقالات” خشبية، يقول فتحي “ثلاثة من اللي كانوا شغالين معانا ماتوا في الشغل، أصل احنا بنشيل طوب وحاجات تقيلة، وأي حد مننا ممكن يقع في أي لحظة ومحدش هيسأل فيه ولا ليه دية”، وكان فتحي، الذي قارب عمره على السبعين، قد تقدم منذ ثلاثة أشهر للحصول على معاش شهري من وزارة الشئون الاجتماعية، وإلى الآن لم يحصل عليه.

ويضيف فتحي “مليش اسم في أي مكان إلا عند ربنا، كل ما أروح لمكتب الشئون يقولولي بكره لغاية ما زهقوا مني وقالولي ورقك ضاع، أصل إحنا بلدنا حلوة بس لو المسئولين يتحركوا، وانتخبنا مرسي عشان الأوضاع تتغير ومفيش حاجة إتغيرت”.

وتدخل محمد شعبان، أحد العمال، 35 سنة، قائلاً إن البدرشين بها رجال أعمال وأصحاب مصانع وأموال كثيرة، لكن لا أحد يقدم شيئاً للدولة. ويشتكي محمد من غلق المصانع، على الرغم من إنهم أولى بالعمل بها.

ويضيف محمد “أقسم بالله أنا معنديش سرير أنام عليه، وكنت بشتغل في السوق وتعبت ودخلت المستشفى وغبت عنه ثلاثة شهور، رجعت ملقتش مكاني، فاشتغلت أرزقي على باب الله بدل ما أشحت ولا أسرق، أصل اللي معاه فلوس في البلد دي الكل بيحترمه، لكن إحنا متبهدلين على الأخر وبنبيع أي حاجة عشان نعيش، إحنا غلابة الثورة اللي المفروض إنها قامت عشان نعيش مرتاحين زي بقية الناس”.

وتمنى محمد أن يجد عمل يأخذ عليه أجر شهري ثابت، بدلاً من العمل “باليومية” ليجد ما يطعم به أولاده الاثنين، متسائلا ” ليه ميفتحوش مصنع الأعلاف بالمدينة اللي هيريحهم ويمنع البطالة؟، أنا ساعات بكسب في اليوم 30 جنيه بالعافية واقعد عليهم شهر ما اشتغلش، وغيري بيكسب أُلوفات من الهوا، وسبب اللي احنا فيه ده، إن مفيش رقابة من الحكومة أو اهتمام من المسئولين”.

مطالب بسيطة هي كل ما تمناه محمد وفتحي وعبد العال في “عهد الثورة”، ما بين معاش شهري مجزي، وعمل بأجر شهري ثابت في مصانع المدينة، أملا في حياة مريحة تحترم آدميتهم.

الموضوع الأصلي من هنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق