الأحد، 28 أغسطس 2016

“أم محمد” بعد 70 سنة شغل: “نفسي آكل لقمة نضيفة”


البدرشين: هدير حسن
نشر بتاريخ 1 أكتوبر 2013

يحتفل العالم باليوم العالمي للمسنين، في الأول من أكتوبر من كل عام، بعد أن أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرار رقم 106/45 لسنة 1990، ومنذ ذلك اليوم، والعالم يسعى إلى النهوض صحياً واجتماعيًا بكبار السن، وتوفير كافة السبل التي تضمن لهم حياة مرفهة، ومريحة بعد أن قضوا شبابهم في تعبٍ ومشقةٍ من أجل خدمة وطنهم وأسرهم.

ويبدو أن أهداف هذا اليوم لم تصل إلى مصر بعد، فالمُسنُّون في بلدنا مَنسيُّون، وبينما يفكر العالم في الوسائل التي توفر الراحة لكبار السن، تناسينا نحن وجودهم. فالشعب- المتدين بطبعه- تناسى ما أمره به الدين من الرفق بكبار السن، إذ دائما ما نقابل رجالًا وسيداتٍ مسنين، يلاحقون “الأتوبيس”، وآخرين يبيعون بمحطات المترو.. قد تكون بائعة “الخضار” في عمر جدتك، وقد يكون سائق “التوكتوك” في عمر والدك، إلا أننا نمر بهم مرور الكرام، ولا نجهد أنفسنا في معرفة ما الذي أجبرهم على العمل والاحتكاك، بالروتين اليومي المرهق، في هذه السن المتأخرة.

كانت الساعة قد تخطت الثالثة عصراً، ولم يدخل بعدُ طعامًا في جوفها منذ الصباح، تنتظر أن يرزقها الله بما يمُنُّ عليها، “أدينا قاعدين، نكسب 10 جنيه، 20 جنيه، كله كويس، وربنا بيساعدنا”.

“أم محمد” واحدةٌ من هؤلاء المنسيِّين، فعمرُها، الذي قارب على السبعين، وتجاعيد وجهها، التي تحكي عن زمن لا يرحم، ومجتمع نُزِعت الرحمةُ من قلبه، لم يمنعاها من العمل، فمنذ وعيت للحياة، وهي تبيع الخضر والفاكهة.

“أم محمد” لا تكترث بمرور الزمن، ولا تهتم بتذكر التواريخ والأعوام، كل ما تذكره هو ما فعلته بها تلك السنون، فمنذ أن تزوجت، وهي تعمل حتى تضمن لأولادها السبعة حياة كريمة. استطاعت من خلال عملها ببيع الفاكهة أن تُزوج ولدين وبنتا واحدة. توفي أكبرُ أبنائها منذ ما يقرب من 17 عامًا، وهو في السادسة والعشرين، تقول وعيناها مغرورقتان بالدموع “هو ده اللي كسر وسطي، من يوم ما مات، وأنا مبقتش أحب أروح في حتة، ولا ليّا نفس أعيش في الدنيا”.

و”أم محمد”، هي العائل الوحيد لأسرتها، فزوجها، الذي كان يصنع “بردعة” الحمار، ويبيعها بالسوق، أصبح الآن عاجزاً، ولا يقوى على الحركة من دون عكّازه، وأولادها المتزوجون لا يسألون عنها، “محدش بيسأل، دلوقتي مفيش حد طيب، يبقى منك وعليكي، ويبصِّلك ويمشي” هكذ قالت أم محمد بمرارة.

تعمل “أم محمد” من أجل الإنفاق علي زوجها المريض، وتعليم بقية أولادها، “عايزين لبس، ودوروس، وأنا مش معايا وماشية على قدي”.

أملها الآن في الحياة أن تعيش براحة تليق بعمرٍها “عاوزة أداوي نفسي، وأكل لقمة نضيفة، وأعمل زي زمان، وأشتغل أكتر، وأصرف على العيال” تسكت فجأة، وكأنها تسترجع سنين طوالٍ من العمل، والبيع أمام المدارس، والذهاب إلى “إمبابة” لتشتري الخضروات، والتنقل بسهولة إلى حيث يوجد الرزق “دلوقتي الحركة بقت صعبة، والشغل قلّ خالص عن الأول”.

“ربنا يحسن ختامنا، دي أهم حاجة، دايما بحلم إن أنا واقفة على باب الجنة، ومعايا حاجات حلوة بوزعها على العيال الصغيرة، وهما فرحانين”.

الموضوع الأصلي من هنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق