الأحد، 28 أغسطس 2016

سقارة.. سر الحضارة الفرعونية


** هرم زوسر بناه أول مهندس في مصر القديمة وهو مغلق للزيارة مع دخوله أربع سنوات في الترميم

البدرشين: هدير حسن
نشر بتاريخ 1 يونيو 2013

تعتبر قرية سقارة، التابعة لمركز البدرشين بمحافظة الجيزة، الكتاب المفتوح للحضارة المصرية القديمة، حيث تحفل منطقة سقارة السياحية بآثار الأسر الأولى للحضارة المصرية، ويعتبرها كثيرون من علماء ومحبي الآثار المصرية، أغنى منطقة أثرية في القاهرة الكبرى، فيوجد بها وحدها ما يقرب من 36 هرم من أصل 138، هذا بخلاف أنها عاصمة مصر الفرعونية “منف”، لذلك تُعد سقارة جبانة مصر القديمة لاحتوائها على مقابر المصريين القدماء.

كان لـ”المندرة” جولة وسط آثار سقارة، اصطحبنا خلالها المرشد السياحي وأحد أهالي سقارة، عصام أمين، استطعنا من خلالها التعرف عن قرب على مجد حضارتنا الفرعونية، التي تحتوي سقارة على أغلبه وأهمه.

بدأت الرحلة لسقارة بزيارة هرم زوسر المدرج، الذي بناه أول مهندس في تاريخ مصر القديمة، إيمحتب، عام 2793 ق.م للملك زوسر، أقوى حكام مصر الفرعونية، وأحد ملوك الأسرة الثالثة، وكان هرم زوسر هو أقدم بناء حجري في التاريخ و”لولاه لما رأت مصر حضارة”، بحسب تأكيد بعض الأثريين، حيث استطاع المهندس إيمحتب أن يطور المعمار الفرعوني من خلال هرم زوسر، فكانت أول مقبرة فرعونية ترتفع لأكثر من مصطبتين، بعد أن كانت المقابر الفرعونية قبل هرم زوسر يُقتصر في بنائها على مصطبة واحدة أو اثنتين باستخدام الطوب اللبن أو الطوب الطيني، ولكن إيمحتب بني هرم زوسر على ارتفاع 60 متر مكون من ستة مصاطب من الأحجار، وأقام المجموعة الهرمية للملك زوسر، التي تشمل المعبد الجنائزي، ومعبد وادي الملوك.

والفضل الأكبر في معرفتنا بتراث وحضارة جبانة مصر القديمة بسقارة، يرجع إلى عالم المصريات الفرنسي جان فيليب لوير، فهو أول من سعى إلى كشف الغطاء عن منطقة سقارة وأولاها اهتماما، وفني عمره يبحث وينقب ويرمم.

كرس لوير حياته من أجل ترميم آثار سقارة، وخاصة هرم زوسر المدرج، ويرجع إليه الفضل في وضع سقارة على قوائم الأماكن المستهدف زيارتها سياحياً، بعد أن كان تاريخها مدفون، فقام بترميم هرم زوسر المدرج، وأشرف على إقامة متحف إيمحتب، الذي كان أحد أحلامه التي لم تتحقق إلا بعد وفاته، وكان لوير قد قضى ما يقرب من سبعين عاماً من عمره بين مقابر المصريين القدماء بسقارة، بعد أن جاءها عام 1921.

وبالرجوع إلى هرم زوسر والمجموعة المعمارية المحيطة به، نجدها تبدأ بالمدخل الخاص بالدخول إلى ساحة الهرم، الذي يحوي أعمدة شبه دائرية، كانت قد تعرضت إلى النهب والسرقة في عصور ما بعد الفراعنة، ففي عهد البطالمة والرومانيين، وأيضاً العصر العربي، تعرضت الأعمدة إلى التكسير حتى يستخدموها في بناء منازلهم وبناياتهم الخاصة، ولكن جاء العالم الفرنسي فيليب لوير، وأعاد ترميم ما تبقى ليشبه كثيراً ما بناه المهندس إيمحتب.

أما هرم زوسر المدرج، فيعد الهرم الوحيد الذي له مدخلين فعليين، الأول من جهة الشمال، والثاني من جهة الجنوب، وكان المدخل الجنوبي يحوي أحد عشر بئرا هدفهم تضليل اللصوص ومنعهم من الوصول لمقبرة الدفن الرئيسية، والمدخل الشمالي يقع أمام المعبد الجنائزي، ويوجد به ممر تنازلي للأسفل طوله 28 متراً، ويؤدي إلى غرفة الدفن الرئيسية، كما أن البناء الخارجي للهرم محاط بحجر الكلس الأملس، حتى يبقى طويلاً.

ومازال هرم زوسر خاضع لعمليات الترميم التي بدأت عام 2009، ومستمرة إلى الآن، ولذا فإن الدخول إلى قلب الهرم وزيارته من الداخل لم تكن متاحة.

وتنعم منطقة سقارة بأهرامات أخرى بالإضافة إلى هرم زوسر، إلا أن هرم زوسر هو الهرم المميز من بينهم، والأكثر حفاظاً على حالته المعمارية، فهرم تيتي، الذي بناه الملك تيتي من الأسرة السادسة، وهرم أوسركاف، من الأسرة الخامسة، ومن نفس الأسرة هرم بيبي، كلها أهرامات أثرت عوامل الزمن على بنائها الخارجي، فأصبح أغلبها كومة هرمية من التراب.

وعن متحف إيمحتب، الذي يقع على يمين المنطقة الأثرية، فقد تم افتتاحه عام 2004، بعد رحيل العالم الفرنسي جان فيليب بعامين، والذي تحمس لبنائه من أجل تخليد ذكرى المهندس المعماري إيمحتب، وتقديراً لمساهمته التاريخية في العمارة الفرعونية، فقد كان أول من استخدم الأعمدة في البناء، وأول من بني معبد بالحجر، حيث كانوا قبله يستخدمون الطوب اللبن والبوص، فكان المتحف مجرد عمل بسيط أراد أن ينجزه لوير، ليعلم الجميع كيف أثرى إيمحتب العمارة الفرعونية، ويعد أكبر المساهمين في تطورها.

ويضم المتحف ما يقرب من 250 قطعة أثرية مقسمة على ست قاعات، ويوجد لإيمحتب ثلاثة تماثيل بالمتحف، كما يوجد بالمتحف طريق الكباش، الذي كان مخصص لصعود الملك عليه أثناء تنصيبه، ومومياء للملك زوسر، وغيرها من أدوات الحياة المستخدمة في ذلك العصر.

يوجد بالمتحف أيضا، ركن خاص بالعالم الفرنسي جان فيليب لوير، يعرض فيه مكتبه الخاص وأدواته وصوره واكتشافاته، ومجموعة من الكتب، التي يستطيع الزائر الاطلاع عليها.

تضم منطقة سقارة، إلى جانب ذلك، مقابر وجبانات عصور وأسر مختلفة، وجبانات لحيوانات السراييوم، ومقابر صخرية لعبريا، ومقابر حور محب، ومقابر رع موزة، ودير الأنبا أرميا القبطي، ويُقال إن كل هذا ليس سوى 12% من آثار سقارة، بينما الباقي لم يكتشف بعد.

الموضوع الأصلي من هنا.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق