الأحد، 28 أغسطس 2016

700 فدان في “عرب العيايدة” غارقة بمياه الصرف بالصف منذ 12 عاماً بسبب ترعة كوم امبو



الصف: هدير حسن
نشر بتاريخ 8 يناير 2013

يقف أمام أرضه والحسرة تملآ عينه، يتذكر حين كانت تطرح أملاً وحياةً ومحاصيلها التي عاش عليها ما يقرب من خمسة آلاف مواطن من أهالي قرية عرب العيايدة بمدينة الصف، قبل أن تغرق بمياه الصرف الصحي، منذ أكثر من 12 عاماً، دون أدنى تحرك من المسئولين لإنقاذ الأراضي الزراعية. التقت “المندرة” بأصحاب الأراضي الذين رووا كيف غرق 700 فدان بالمياه وسط حرستهم طيلة سنوات، بعد أن توقفت عن إنتاج المحاصيل من خضروات وفواكه.

يقول حمادة عبد الفتاح، أحد أهالي القرية، “الأرض دي كنا بناكل من وراها عيش كلنا، القرية كان عندها اكتفاء ذاتي من الأرض ومكناش بنحتاج نشتري حاجتنا وأكلنا، ومن ساعة ما الأرض غرقت واحنا بناكل شُكُك، بعتنا تلغرافات كتير لرئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء من قبل الثورة ومن بعدها، وكل سنة وزارة الري تبعت ناس ولكن مفيش حاجة بتتحل”.

يؤكد الأهالي أن الأرض تحولت إلى مقر للذئاب والثعالب والحيوانات المفترسة، وأن أكثر من خمسة آلاف نخلة بالأراضي ماتت بسبب كثرة المياه. وبخلاف الأرض والنخل، تسربت المياه أيضا إلى الأدوار الخلفية لمنازل أهالي القرية مما يعرضها للسقوط في أي وقت.
يحكي أحمد عبد الله، أحد الأهالي، ما حدث لمنزله ولآلة طحن الحبوب التي يمتلكها، والتي أغرقتها المياه، قائلا “المفروض يكون في مواسير ومصارف تسحب المياه اللي مغرقانا، ويبطونوا الترعة اللي كل شوية تغرقنا”، لافتاً إلي أن وزارة الري كانت قد بطنت ترعة الحاجر بحجر جيري ولكنه لم يمنع المياه من التسرب.

ويرجع الأهالي هذا الغرق إلى ترعة الصف (كوم امبو)، التي تقع بمدينتي الصف وأطفيح وتنقل مياه الصرف الصحي بحلوان، وهو ما أكده المهندس عبد الفتاح عبده، وكيل مديرية الزراعة بالجيزة، الذي حمل وزارة الري المسئولية، قائلا “وزارة الري أخطأت في اختيار موقع الترعة وبنوها بمنسوب مرتفع عن الأراضي الزراعية بمسافة تصل لـ 70 متر، والأراضي المحيطة بالترعة رملية وسهل مرور المياه من خلالها، فأخذت تتسرب حتى وصلت للأراضي المنخفضة المنسوب وغرقتها”.

ويضيف عبده أن ترعة الصف (كوم امبو) أنشئت عام 1987، بهدف استيعاب مياه الصرف الصحي لمدن حلوان وطره والمعادي ومعالجتها والاستفادة منها في زراعة الأشجار الخشبية. ويرى وكيل مديرية الزراعة بالجيزة أن استعمال المياه في ري المحاصيل التقليدية وبطرق غير صحيحة أدى إلى ترشيح وتسرب المياه إلى الأراضي ذات التربة الجيدة مما أضر بها، واستطرد قائلاً “المفروض إن الري في المناطق الصحراوية أو الرملية يكون بالتنقيط ولكن المزارعين يروون بالغمر من خلال فتحات عملوها من الترعة لأراضيهم مباشرة وبيزرعوا بيها محاصيل تقليدية”، مؤكداً أنهم حاولوا منع الأهالي وعمل محاضر ضدهم ومطالبة الشرطة بالقبض على المخالفين ولكنهم لم يستطيعوا تطبيق ذلك.

أطلعنا عبد الفتاح على تقرير أعدته مديرية الزراعة بناءً على شكوى وجهها لهم أحد الأهالي، ويوضح التقرير أن ترعة (كوم امبو) كان الهدف من أنشأها هو استصلاح المنطقة الصحراوية الشرقية بمدينتي الصف وأطفيح عن طريق معالجة مياه الصرف الصحي، وأن يكون استصلاح الأرض بهدف زراعتها بالأشجار والمزروعات الخشبية التي لا تتضرر من الري بمياه الصرف، ولكن قرى المنيا والشرفا وأسكر والفهميين وكفر الواصلين والقبابات ومسجد موسى تضررت من تسرب مياه هذه الترعة، لكونها غير جيدة التبطين مما أدى إلى تسرب المياه إلى هذه القرى منخفضة المنسوب.

وأوضح التقرير أيضاً أن عدم وجود شبكة صرف زراعي ساعد على تفاقم الأزمة، مؤكداً على خطورة زراعة المحاصيل التقليدية بمياه الصرف الصحي خاصة وأنه يخالف قرار وزير الزراعة 603 لعام 2002، الذي يمنع ويقيد استخدام مياه الصرف الصحي في الزراعة نتيجة الملوثات التي تتركز بهذه المياه ويكون لها كبير الأثر على صحة الإنسان.

واتفق خيري أحمد، رئيس مدينة الصف، علي التأثير السلبي للترعة ، مؤكدا أن الصف مدينة لا يوجد بها صرف صحي، مشيراً إلي أن ترعة (كوم امبو) كان هدفها هو استصلاح ما يقرب من 50 ألف فدان، وبمرور الزمن تسربت المياه من الترعة إلى الأراضي الزراعية لأن تبطينها لم يكن على المواصفات المضبوطة، بحسب قوله.

وعلق على سلوكيات المزارعين واستخدامهم أسلوب الري بالغمر قائلاً “الفلاح يترك المياه تروي أرضه بدون حساب وأي مياه زايدة بتتسرب في قاع الأرض وتصبح مياه جوفية تذهب هي الأخرى للأراضي ذات المنسوب الأقل”، وشدد على وجود مصارف تعمل على سحب هذه المياه، وهو ما لم يُلاحظ بقرية عرب العيايدة ونفاه أهالي القرية، وأكد محمد لطفي، مساعد رئيس مدينة الصف، أن بناء المصارف هو مسئولية وزارة الري وأنهم خاطبوا الوزارة أكثر من مرة.

وفي محاولة للوصول إلي حل، التقت “المندرة” الدكتور نبيل قنديل، وكيل معهد بحوث الأراضي والمياه والبيئة، الذي أكد أنه لابد من عمل دراسة حول هذه المنطقة للوقوف على أسباب غرق هذه الأراضي ومواجهتها بالشكل المناسب، وأضاف قنديل “أياً كان مصدر المياه التي أغرقت الأراضي فالحل هو عمل تبطين للترعة التي تسببت في تسرب المياه سواء كانت ترعة الصف أو ترعة الحاجر، ومن الممكن أن يقوم الفلاحون أنفسهم بعمل مصارف مكشوفة حول أراضيهم عبارة عن عرض 60 سم في عمق 120 سم لسحب المياه التي أغرقت الأراضي وصبها في النهاية بمصرف عمومي أو أن ينتظر قيام الري بعمل مصارف مغطاة”، مؤكداً أن هذا الحل يتناسب سواء كانت هذه المياه عذبة أو مياه صرف صحي، وأوضح أنه إذا تم التخلص من المياه فإن الأرض ستبقى صالحة للزراعة ولن يصيبها أي ضرر.

الموضوع الأصلي من هنا.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق