الأحد، 28 أغسطس 2016

حياة علي المياه في أطفيح


أطفيح: هدير حسن
نشر بتاريخ 21 مارس 2013

“يعني إحنا لازم نقطع الطريق عشان حد يحس بينا”، قالها صلاح العطار، الذي قارب عمره الستين سنة، ومازال ينتظر اليوم، الذي ينظر المسئولون فيه إلى أحوال قريته، التي أصبح حزينا على أحوالها، ولا يعلم ماذا يفعل حتى يشعر من يتولى الأمر، بما يعانوه يومياً داخل قريتهم “مسجد موسى” بمدينة أطفيح، التي يعيش بها حوالي 37 ألف نسمة، فهي قرية بسيطة مازال أهلها يستخدمون القش لتسقيف بيوتهم، والحجر لبنائها، إذا دخلتها تشعر كأن الزمن لم يمر من هنا منذ قرون.

يعيش أهل القرية على الفتات، فأغلب رجالها يعملون بمصانع الطوب، أو يعملون باليومية في القاهرة، وعلى الرغم من ضيق حالهم إلا إنهم راضون، ولكن يبدو أن رضاهم لم يكن كافياً.

بدأت مشكلة القرية وقت حدوث الزلزال عام 1992، والذي كان له كبير الأثر على “مسجد موسى”، مثلما كان على مصر كلها، ولكن الزلزال ترك أثراً لم تصلحه الأيام والسنوات إلى الآن، فلقد أدى إلى غرق القرية بالمياه الجوفية، الناتجة عن تشقق الصخور الجبلية المحيطة بالقرية، والتي واجهها الأهالي بطرق غير سليمة وبجهود ذاتية، فكلما ارتفع منسوب المياه وأغرق منازلهم، قرروا ردم المياه بالتراب والطين.

بالتجول في أنحاء القرية وخاصة المنطقة الشرقية منها، التي يسميها الأهالي “المنطقة المنكوبة”، ترى كيف قاموا بمحاولات التصدي للمياه، التي أغرقت بيوتهم بالتراب والطين والطوب، وتلحظ بمجرد النظر إلى أحد تلك البيوت كيف أصبحت الشبابيك قريبة من الأرض ولا يفصلها عنها سوى بضعة سنتيمترات، كما ترى حطام لبيوت تهدمت بسبب المياه.

تحكي محاسن محمد، إحدى قاطني القرية، “إحنا بقالنا سنين على كده، والحكومة كلها عارفة مشاكلنا وجتلنا كذا مرة، ومحدش بيسأل بعد كده، ومش عارفين الميه دي بتجلنا منين”، بينما يقول محمد عبد الكريم، أحد الأهالي، “من زمان والميه مغرقة بيوتنا، وبنلمها بالغرف ونرمي عليها الطين، مفيش حل غير كده عشان نقدر نعيش، وكمان ملناش مكان تاني نروحه”.

لم تقف المعاناة عند هذا الحد، بل زاد عليها تلوث مياه الشرب بالقرية، وملوحتها التي أصبحوا لا يحتملونها، وبخلاف ذلك فالقرية أيضاً تخلو من شبكة الصرف الصحي، التي تجد لها محطة للرفع ولكنها غير مكتملة.

يقول غنايم الليثي، أحد أهالي القرية، “المشكلة إن مواسير الشرب باشت، ومتجددتش بقالها سنين، والمية بتوصلنا مالحة ومش نضيفة وفيها شوائب”، ويكمل قائلاً “كنا من كام سنة بنشتري الميه، لغاية ما عملوا لنا محطة مياه الصالحية، وبقينا بندفع فواتير الميه بشكل تقديري”.

يلتقط فوزي محمد، مواطن بالقرية، أطراف الحديث ويقول “الميه جابتلنا أمراض، والقرية فيها آلاف عندهم الكبد والفشل الكلوي، ده غير إنها مخلوطة بالصرف الصحي، إحنا طلبنا من المحافظة إنها تقطع عننا الميه وتجيبهلنا أربع ساعات بس، عشان الميه لما كانت موجودة على مدار اليوم كانت البلد كلها بتغرق ومبنعرفش نمشي في الشارع”.

كلما تنقلت بين شوارع القرية، شاهدت مدى تأثير غياب شبكات الصرف الصحي على الأراضي، حيث قام الأهالي بالتخلص من الصرف الخاص بهم عن طريق ممرات أرضية توصل هذا الصرف إلى منطقة بالقرية، أصبحت أشبه بالبركة أو المستنقع، وكان الأهالي قد اختاروا القيام بذلك بسبب عدم وجود عربيات لكسح الصرف الصحي.

يحكي محمود أبو خليل، أحد الأهالي، ونائب رئيس مجلس إدارة جمعية بناة المستقبل، كيف حاول الأهالي حل مشكلاتهم بأنفسهم فقاموا بزيارة الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي، ويشرح أبو خليل “إحنا زورنا الشركة القابضة، وعرفناهم المشكلة ولما لقينا مفيش فايدة، جمعنا تبرعات من الأهالي، ونسقنا مع شركة المياه في أطفيح، والوحدة المحلية، عشان نبدل المواسير بتاعة مياه الشرب بنفسنا، وبدأنا بخمسة شوارع فرعية ورئيسية، لكن كل دي مجهودات ذاتية ومش هتقدر تعمل شغل الحكومة، وإحنا معندناش غير عربية كسح واحدة بتلم الكسح من الأهالي وتوديه الجبل”، مؤكداً إن ما يكسحونه يعود إليهم مرة ثانية مع مياه الشرب نظراً لانخفاض القرية عن الجبل.

توجهت “المندرة” للمسئولين عن حل المشكلة، فطرقت باب الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي، الموجودة بالوراق، والتي رفض المسئولين بها التحدث، وأكدوا أن أي تصريحات صحفية مسئول عنها العقيد يحي الصرفي، مسئول العلاقات العامة بالشركة القابضة لمياه الشرب، المتواجدة قرب محطة مياه روض الفرج.

ذهبت مراسلة “المندرة” إلى محط مياه روض الفرج ولكنها لم تجد العقيد، فتأجل لقائها معه لليوم التالي، الذي كان متغيباً فيه أيضاً، وأخبرها أحد العاملين أن تترك سؤالها ورقم هاتفها وسيأتيها الرد، الذي لم يصلها حتى كتابة هذه السطور، وأكد العامل أن الشركة مسئولة عن تجديد مواسير مياه الشرب، وأن الجهة المسئولة عن إنشاء شبكات للصرف الصحي هي الهيئة القومية لمياه الشرب والصرف الصحي.

في الهيئة قال أحد المسئولين بها أنها تختص بأخذ القرار بإنشاء شبكات الصرف الصحي في كل محافظات الجمهورية، باستثناء محافظات القاهرة والإسكندرية والجيزة والقليوبية، وهي المحافظات التي يختص بها الجهاز التنفيذي لمياه الشرب والصرف الصحي.

نفى مسئول بالجهاز التنفيذي مسئولية الجهاز عن هذه المنطقة بالتحديد، مشيراً إلى أن قرية مسجد موسى وعمليات إنشاء شبكات للصرف الصحي بها، أمر يخص مديرية الإسكان بالجيزة.

في النهاية، قابلت “المندرة” المهندس سمير عشري، رئيس الوحدة المحلية بقرية صول، والمسئول عن عدد من القرى منها قرية “مسجد موسى”، إن “مشكلة القرية أن تربتها صخرية، وحصل لها تشققات بعد الزلزال فظهرت مياه من المخزون الجوفي، وقررت مديرية الإسكان بالجيزة إسناد مشروع إنشاء شبكة الصرف لشركة، فقام المقاول بالتعامل مع التربة على أنها تربة عادية ووضع الميزانية على هذا الأساس، وبمجرد الحفر اكتشف أن الأرض صخرية فتركها ولم يكمل عمله، ووقتها حصل تحقيق في الموضوع ده وعُرض المقاول للمحاكمة”.

عن الوضع الحالي للقرية، وكيف يمكن إصلاحه، قال عشري ” مشكلة مياه الشرب اتحلت بالتعاون مع مجلس المدينة وشركة المياه واللجان الشعبية بالقرية، وجددنا مواسير الشرب حسب المواصفات الفنية المطلوبة، وأي حد عنده شك في المياه يروح يحللها بنفسه في المعامل المختصة”.

أما الصرف الصحي، فوضح عشري قائلاً “مديرية الإسكان بتعيد من تاني، ولكن لأن الاعتمادات مش كافية فتم تقسيمها على مرحلتين، المرحلة الأولى كانت مستهدفة مدينة أطفيح، والانتهاء منها هيكون في 30 يونيو 2013، وتبدأ بعدها المرحلة الثانية، مستهدفة قرى أطفيح وأولهم مسجد موسى، وفي مكاتب استشارية تحت إشراف مديرية الإسكان جهزت الرسومات الفنية والهندسية للقرية ومنتظرة التنفيذ”.

قد تكون الإجابات شافية للبعض، ولكن بعد عدم القدرة على تحديد المسئول الفعلي، ولمس إلى أي مدى انتشر الروتين، تظل مقولة أحد أهالي القرية “إحنا مهما عملنا وقولنا محدش هيسأل فينا، كأننا مش على الخريطة”، الأكثر تعبيراً عن مدى معاناتهم.

الموضوع الأصلي من هنا.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق