الأحد، 28 أغسطس 2016

رسام أطفيح معرضه حبيس المنزل



أطفيح: هدير حسن
نشر بتاريخ 14 مارس 2013

يتمنى أن يرى كل الناس رسوماته، وأن ترى أعماله الفنية النور، صوته حزين يتألم على لوحاته الحبيسة بمنزله، فالرسم الذي شغل بال وكيان محمود مبارك، الذي تجاوز عمره الخمسين بقليل، كان هوايته الوحيدة منذ وجوده بالمدرسة الابتدائية، حيث كان يهوى التجول بقريته بأطفيح مستمتعاً بالأشجار وجداول الأنهار، ومعه قلمه الرصاص وألوانه الخشبية وكراسته الصغيرة، ويرسم كل ما يراه، ومن فرط موهبته كان المدرسون يستعينون به في رسم الخرائط والوسائل التعليمية.

توقف مشوار محمود التعليمي عند المرحلة الإعدادية، وأرجع ذلك إلى أنه “مش غاوي تعليم، وكمان الرسم شاغلني”، ولكن ظل شغفه بالرسم ومحبته لنقل ما يراه من مناظر طبيعية، هو الشغل الشاغل لمحمود، فأخذ يرسم ويحتفظ بأعماله دون أن يراها أحد، إلى أن تم افتتاح قصر ثقافة أطفيح عام 1996، الذي اعتبره محمود منفذه الوحيد لعرض رسوماته، والتي قام مدير القصر وقتها بأخذها لتعرض في القاهرة بالهيئة العامة لقصور الثقافة، وطلب مسئولي الهيئة وقتها أن يروا صاحب هذه اللوحات.

وأطل محمود على مسئولي الهيئة بجلبابه الفلاحي، لم يصدق المسئولون وقتها أن محمود هو من رسم هذه اللوحات وأخذوا يقنعوه بأن يخبرهم بالحقيقة، فيقرر محمود أن يضع نفسه تحت الاختبار أمامهم، وطلب منهم أن يجلبوا له أوراقا وأقلاما خشبية ويرسم وهم في دهشة، متسائلين “كيف لمحمود، الذي لم يعلمه أحد أساسيات الرسم ويعيش في قرية بسيطة، أن يبهرهم بأعماله؟”.

وظل محمود يرسم من وقتها ويرسل إليهم رسوماته دون أي مقابل، إلى أن قرر المدير الجديد لقصر ثقافة أطفيح أن يقيم معرضا لمحمود، الذي قال عنه محمود إنه “كبير أوي على الواحد”، ولكنه تحمس وقتها على رسم مناظر طبيعية جديدة، عُرضت بالمعرض بمكتبة صول بأطفيح.

يندهش كل من يرى محمود من ملبسه الريفي البسيط، ورسوماته ولوحاته المعبرة عن الطبيعة والبيئة التي نشأ بها، فعادة ما يستعين به أصحاب المدارس في القاهرة، وكلما رأى مدرسو التربية الفنية بهذه المدارس أعمال محمود يسألونه “ازاي أنت بجلابية كدة وبتعمل شغل إحنا نفسنا منعرفش نعمل زيه؟”.

لم يكن الرسم لدى محمود مجرد هواية يملأ بها وقت فراغه، فقد استطاع برسوماته أن يرتقي في عمله من عامل في مصنع يحمل قوالب الطوب إلى مصمم رسومات يتم طباعتها على “بلاط السيراميك”، بعد أن علم صاحب المصنع بموهبته ورأى رسوماته.

تعلم محمود طوال حياته كيف ينمي موهبته بنفسه دون مساعدة من أحد، فمن الرسم بالألوان الخشبية إلى تعلم الرسم بالزيت والجواش، وحكي محمود كيف انتقل بذكائه وسرعته على التعلم من مرحلة إلى أخرى ومازال يتطلع أن يتعلم المزيد، ويؤكد “الواحد جواه حاجات كتير أوي نفسه يطلعها بس مفيش تشجيع”.

يستطيع رسام أطفيح أن يحفظ ما يراه بمخيلته ويقوم برسمه من ذاكرته، ويحتفظ دوماً بـ “نوتة” بسيطة بجيبه، وكلما رأى منظراً يجذب انتباهه يقوم برسمه على هذه “النوتة” التي تلازمه دوماً.

محمود لديه من الأولاد ستة لم يرث منهم موهبته سوى ابنته الكبرى، إلا أن زواجها المبكر أوقف موهبتها، ويعتبر إصرار محمود على حلمه ومداومته على ممارسة موهبته، هو من جعله يستمر في الرسم حتى الآن.

الموضوع الأصلي من هنا.






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق